سورة التحريم - تفسير تفسير ابن القيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التحريم)


        


{إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)}
إن لغة العرب متنوعة في إفراد المضاف، وتثنيته وجمعه، بحسب أحوال المضاف إليه. فإن أضافوا الواحد المتصل إلى مفرد أفردوه. وإن أضافوه إلى اسم جمع ظاهر أو مضمر جمعوه. وإن أضافوه إلى اسم مثنى فالأصح في لغتهم جمعه. كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} وإنما هما قلبان، وكقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} [5: 38] وتقول العرب: اضرب أعناقهما. وهذا أفصح في استعمالهم.


{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)} فاشتملت هذه الآيات على ثلاثة أمثال: مثل للكفار. ومثلين للمؤمنين.
فيتضمن مثل الكفار أن الكافر يعاقب على كفره وعداوته للّه ورسوله وأوليائه، ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين المؤمنين عن لحمة نسب، أو وصلة صهر، أو سبب من أسباب الاتصال. فإن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة إلا ما كان منها متصلا باللّه وحده على أيدي رسله، فلو نفعت وصلة القرابة والمصاهرة أو النكاح مع عدم الايمان، لنفعت الوصلة التي كانت بين نوح ولوط وامرأتيهما فلما لم يغنيا عنهما من اللّه شيئا، وقيل: ادخلا النار مع الداخلين. قطعت الآية حينئذ طمع من ركب معصية اللّه، وخالف امره، ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبي، ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال. فلا اتصال فوق اتصال البنوة والأبوة والزوجية، ولم يغن نوح عن ابنه، ولا إبراهيم عن أبيه، ولا نوح ولا لوط عن امرأتيهما من اللّه شيئا.
قال اللّه تعالى: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} [60: 3] وقال تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} [82: 19] وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [2: 48] وقال: {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [31: 33] وهذا كله تكذيب لإطماع المشركين الباطلة: أن ما تعلقوا به من دون اللّه من قرابة، أو صهر، أو نكاح أو صحبة ينفعهم يوم القيامة، أو يجيرهم من عذاب اللّه، أو يشفع لهم عند اللّه. وهذا أصل ضلال بني آدم، وشركهم، وهو الشرك الذي لا يغفره اللّه. وهو الذي بعث اللّه جميع رسله وأنزل جميع كتبه بإبطاله، ومحاربة أهله، ومعاداتهم.


{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}
وأما المثلان اللذان للمؤمنين: فأحدهما: امرأة فرعون.
ووجه المثل: أن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئا، إذا فارقه في كفره وعمله. فمعصية الغير لا تضر المؤمن المطيع شيئا في الآخرة وإن تضرر بها في الدنيا بسبب العقوبة التي تحل بأهل الأرض، إذا أضاعوا أمر اللّه، فتأتي عامة. فلم يضر امرأة فرعون اتصالها به. وهو من أكفر الكافرين، ولم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما وهما رسولا رب العالمين.
المثل الثاني للمؤمنين: مريم التي لا زوج لها، لا مؤمن ولا كافر.
فذكر ثلاثة أصناف النساء: المرأة الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح. والمرأة الصالحة التي لها وصلة بالرجل الكافر. والمرأة العزب التي لا وصلة بينها وبين أحد.
فالأولى: لا تنفعها وصلتها وسببها.
والثانية: لا تضرها وصلتها وسببها.
والثالثة: لا يضرها عدم الوصلة شيئا.
ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة. فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتحذيرهن من التظاهر عليه، وأنهن إن لم يطعن اللّه ورسوله، ويردن الدار الآخرة: لم ينفعهن اتصالهن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما لم ينفع امرأة نوح وامرأة لوط اتصالهما بهما.
قال يحيى بن سلام: ضرب اللّه المثل الأول يحذر عائشة وحفصة، ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسك بالطاعة.

1 | 2